أكرهك
هذه أول كلمة خطها قلمي
و لكني احاول بشدة ان اوضح لنفسي ان الفارق كبير
بينك انت و بين ما فعلتِ او تفعلي
لا حق لي أن اكرهك ولكن يحق لي كل الحق ان اكره ما فعلتِ بي و تأثيره عليّ حتي هذه اللحظة
لم أشعر يوما واحدا في حياتي طوال ثلاثين عاما بأنك تحبينني حقا . بأنك سعيدة أني موجودة في هذه الحياة
بأنني أجعلك فخورة بي
كل ما أتذكره و أتذكره جيدا جدا هو ان كل ما كان يهمك هو أدائي الدراسي الذي كان بالحق مميزاً بشهادة الجميع إلا أنتِ.
لم أسمعك يوما تفتخرين بي و تصفقين لي . كنتُ دائما غير جيدة كفاية بالنسبة لكِ و هناك دائما ما هو (أفضل) لم أصل إليه بعد
و كبرت يا أمي و أتممت عامي الثلاثين و لست حتي الآن أعي ما
هو هذا ال (أفضل )
كبرت و بداخلي جملة محفورة تطل من نافذة ذهني طوال حياتي
(انا لست جيدة كفاية )
نبتة كبيرة نمت من بذرة نجحتي- و بمهارة فائقة -في غرس بذرتها في كياني و رويتيها يوماً تلو الآخر بدون أن تعلمي كم الجُرم الذي تفعلينه في حقي ..
لا أذكر مرة واحدة .. واحدة فقط يا أمي أخذتيني إلي حضنك بحنان الأمومة المشهور في الروايات و الأفلام
لا أذكر أنك قلتِ لي و لو لمرة (أحبكِ)
كنتُ دائمة الغضب و انا صغيرة ، وكنتِ دائمة النقد لي علي هذا ..
كبرت و أنا أصدق عن نفسي أني بغيضة و لا أُحّب.
الآن أدركت أن ربما هذا الغضب كان وسيلتي للتعبير عن رفض كياني لما كنتي ترتكبيه من جُرم في حقي باهمالك العاطفي و بتشكيلك لصورة ذاتية مشوهة و قبيحة في داخلي
لم أكن أعلم وقتها أنني سأظل أعاني من تبعيات هذه الأمور بعد عشرات السنين ..
تقول مستغانمي :
" ثمّة شيء حدث في طفولتك ، وبدون أن تعي ذلك، كلّ شيء سيدور حوله، إلى آخر لحظة من حياتك"
وقتها علمت أنتي كنت أجفاكِ
وكنتِ تبغضين هذا
و تنتقدين غضبي تجاهكِ ومازلتِ حتي هذه اللحظة
لكن ..
كيف تتوقعين ان تحصدي حبا من حيث لم تزرعي ؟!
لا أتذكر يوما جئتِ فيه إليّ تريدين أن تصادقيني
تريدين أن تستمعي لي و لما يدور بعقلي
أذكر أنك اغلقت الباب و كأنك لم تري شيئا بينما كنت أبكي بحرقة ذات مرة !
برعت في تعليق لافتة بحروف بارزة في لاوعيي .. مكتوب عليها (كمٌ مُهمل ) !
أتذكر أنك كنتِ تتهمينني بالنكد و بأني أبدو عجوزا بوجهي الحزين !!
هل نُبكي شخصا حتي تنطفئ لمعة عيناه و يحزن وجهه ثم ننتقد وجهه و نقول له "يا الله .. ما اقبح وجهك الاشبه بالعجوز الحزينة ؟! " !!
لكم كنت أمقت افلام الكارتون و الافلام و الاغاني التي تبجل من الأم و عملها و مقدار حبها . فبطبيعة الحال لم أختبر مع أمي علاقة عميقة مشبعة و اعتبرت ان هذه الميديا كاذبة خادعة و خداعها يضغط علي ألمي من نحوك و احتياجي لحب لم تستطيعي تقديمه لي ..
كبرت يا أمي جوعي
بداخلي خزّان حب جاف يؤلم جوفي و يؤرق مضجعي في بعض الليالي ..
أشعر بلسعات ألمه من آن لآخر في لحظات ضعفي
أتشوّق فيها لحضن دافئ مريح
ليس كحضنك الذي كنتِ تزيحينني بعيدا عنه !
وها أنا ..طفلة جائعة للاحتضان في جسد امرأة ثلاثينية
منذ عامين ، استنار وعيي بكل ما عشته معك و تأثيرك عليّ
أعلم نظريا أنك بدورك ضحية
أنك لم تُحَّبي أيضا و لا تعرفين كيف تحِبي بحق ..
و لكني حتي هذه اللحظة التي أخط فيها هذه السطور
غاضبة منك يا أمي و لا أستطيع مسامحتك
و انا لا أريد أن أظل هكذا لآخر حياتي ..
لأجلي