Saturday, 8 February 2025

الحياة و الموت


 

امسكت هاتفي لأتصفح  صفحتي علي الفيس بوك ، و اذا بي اصطدم بخبر انتقال احد الاحباء .. 

لم اعرفه طويلا،  لكن من المرات القليلة التي قابلته بها أحببته جدا . هو من الاشخاص الذين يخترقون القلب بسهولة . كلماته تفيض بحب غير معتاد . احتضنتني ابوته بقوله لي كل مرة قابلته فيها "أصلي لأجلك .. " 

لمستني كلماته و استوقفني اهتمامه  فقد كنت اعلم جيدا أنه في قمة اجهاده الجسدي في هذه الفترة و مع ذلك فقد وقف ليصلي من أجلي …


. كان الشيب يملأ رأسه و كنا نعلم انه يصارع منذ سنوات مع المرض اللعين ، ومع ذلك ،  في كل مرة قابلته كان وجهه مضيئا . ملئ بلمعة من الحماس و التفاؤل . و صوته عالٍ …صوت محارب يأبي الاستسلام حتي لو كان في قمة الارهاق و علي شفا السقوط … 

رحل لكنني أثق  أنه يعيش بداخل عقل و قلب كل من تلامس مع أبوته و محبته ، وكل من رآه شامخا في صراعه ، و هو يعلمنا دروسا حية في الشكر و الجلد و المثابرة و العطاء و الابوة .. 


لا انكر انني في كل مرة استقبل نبأ انتقال أحد الأحباء يصفعني خبر الموت صفعة تفيقني من الهائي .. 

في حضرة الموت نصمت . كل الأشياء تبدو تافهة حينما نتواجه مع هذه الحقيقة . 

في حضرة الموت ، نسمع أعلي صرخة تذكرنا بمحدوديتنا ، وكأن الظرف الراهن يصرخ عاليا ليذكرني كم أن أيامي زائلة ..

هي ظل .. بخار ، يظهر قليلا ثم يضمحل .. 

فهل عمري الذي  أحياه اليوم و غدا يترك حقا أثراً في نفوس من حولي ؟! 

هل أحيا اليوم و لليوم فقط أم أجعل الأبدية أمام عينيّ ؟ 

لانه اذا كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء فاننا اشقي جميع الناس ! 


هل اتوقف لاسمع تحذيراً في اعماق نفسي .. 

(يا غبي .. في ليلة لا تعلمها تؤخذ نفسك منك .. فهذه التي بنيتها لمن تكون ) 

هذه …قصور احلام كانت تطمح في سعادة في هذه الحياة فقط… تتهاوي واحدا تلو الآخر …


و يتراءي لي من بعيد 

نفسي و هي جاهلة 

تمسك مصباحا مطفئا ولا تجد زيتا لتوقده 

و قد فات الوقت لتبتاع زيتا ..

و أُغلق الباب 

وهي لم تستطع الدخول … 


و نفسي عطشي 

تلهث من العطش … و تشتهي ان تبل فقط طرف لسانها 

فقد شربت من ماء كل من يشرب منه يعطش أكثر فأكثر 

و تركت ينبوع الماء الحي 

و جرت لتحفر لها آبارا مشققة لا تضبط ماء .. 


يثير فيّ حادث الموت استياءً من نفسي بسبب اهتماماتي الزائلة ، التي لا يسعني أحيانا سوي ان أصفها بالتفاهة ! 

كم من وقت أمضيه و أنا مهمومة من أشياء هي فانية .. في حسابات الموت هي لا شئ .. 

و كم من وقت أمضيه و أنا ألهي نفسي المهمومة لانها لا تستطيع التعامل مع مشاعر الهم و مشاعر القلق و التوتر بأشياء أكثر تفاهة !! 


يا الله 

كم أحتاجك 

لتساعدني أن أعيد حساباتي 

و أري الأشياء علي حقيقتها .. 

و الأهم ان أري نفسي علي حقيقتها .. 

ففي نورك ينكشف ظلامها ..

كم أحتاجك لتساعدني أن اهتم بما هو مهم حقا .. 

لأفيق من تيهاني و الهائي 

.. 

حرب الالهاء قوية جدا في هذا العصر 

لم تعد الخمر و المخدرات المعتادة فقط هي ما يذهب العقل .. 

اصبحت ادماناتنا مختلفة و قد تتشكل من أشياء هي في حد ذاتها مشروعة و معتادة و يومية ! 


يا الله .. 

نادِ نفسي العطشي التي لا ترتوي أبدا 

امكث معي … 

ارو عطشي 

و اضرم لهيب محبتك في قلبي 

لتحرق كل اهتمامات زائلة و باطلة


ذكرني بأنني مت عن العالم يوم اعتمدت .. 

و ساعدني لأميت انساني العتيق و اصلبه معك  كل يوم 


ثبتني في حقك 

و اجعلني ادرك بعمق عمل فدائك 

و أحيا الحياة التي أردت لي أن أحياها .. 

لقد جعلت أمامي الحياة و الموت .. البركة و اللعنة 


ساعدني أن أختار الحياة .. 


الحياة و الموت

  امسكت هاتفي لأتصفح  صفحتي علي الفيس بوك ، و اذا بي اصطدم بخبر انتقال احد الاحباء ..  لم اعرفه طويلا،  لكن من المرات القليلة التي قابلته به...