Sunday, 17 June 2018

عدوي اللدود

أتذكر أنني قرأت يوما وأنا في التاسعة عشر
من عمري وربما أصغر، أن  جزء المخ المسئول عن اتخاذ
  القرارات الصائبة  يستمر في تطوره حتي سن الرابعة والعشرين . غضبت  بعد معرفة  هذه المعلومة؛ فقبل أن  أصل لهذا السن واجهت اختيارات عدة كاختيار أصدقائي ، وكان أهم  الاختيارات  هو اختيار الالتحاق بكلية ما ، فبأي منطق أختار ما سيحدد مستقبلي وانا لست بعد أملك المهارات الكاملة لذلك ؟! ليس فقط بسبب عدم اكتمال عقلي فسيولوجيا ، ولكن هناك ايضا عوامل أخري غير كاملة  كنضوجي النفسي الذي كنت أخطو فيه خطواتي الأولي  ،  وخبرتي القليلة بالحياة.  كنت أنتظر هذا السن بفارغ الصبر ، لأصبح سيدة قراري علي أكمل وجه ، وحدث الامر . أتممت الرابعة والعشرين ، وواجهت قرارات أكبر وأكثر تعقيدا ، قرار الارتباط واختيار شريك حياتي ، قرارات متعلقة بأماكن  العمل ، قرارات اختيار تخصص معين وبدء دراسات ما بعد التخرج ، وغيرها من القرارات طويلة الأمد . كانت صدمتي أنه حتي عند بلوغي  هذا السن ،  فمشكلتي لم تكن  فقط في فص سخيف من المخ لم يكتمل نموه بعد أو في نضوجي النفسي  أو خبرتي بالحياة  ، إنما المشكلة  الأكبر كانت في  عدو لدود ، يقبع داخلي ، ومع ذلك ففي أحيان كثيرة يكون أكبر مني ، ويكاد يبتلعني ...إنه الخوف !  
وجدت أنني أخاف مواجهة نتائج سيئة لاختياراتي ، أخاف الغد وما يخبئه لي ، أخاف  الفشل، الترك  ، فقدان أحبائي أو حتي إصابتهم بسوء .  مرت علي أوقات شعرت فيها كما لو أني مكبلة بقيود الخوف عاجزة  عن أن أخطو خطوة واحدة للأمام في أي طريق . والعجيب أنه من الممكن أن يهيمن الخوف علي إلي الدرجة التي تجعلني حتي أخاف أن أصرخ وأعلي صوتي و أبوح بما يخيفني ، فأنا أخاف  ألا  تستقبل شكواي الآذان الصحيحة ، أخاف ألا اجد الاحتواء والأمان الذي يزيح عني خوفي ولو قليلا .
علي الناس أن يخافوا من الصامتين ، فعلي الأغلب تدور داخلهم معارك الله وحده يعلم ببشاعتها وضراوة الخصوم فيها . أتعجب جدا أن العدو الأكبر للإنسان هو نفسه ، فالخوف ينبع من أفكاره هو نفسه . إنه يدمر نفسه ذاتيا كما يحدث في أمراض المناعة . ياله من أمر  عجيب مثير للشفقة !  يعجبني هذا الاقتباس من الكاتب والشاعر فاروق جويدة ، يقول فيه : " لماذا نفكر دائما في نهايات الأشياء رغم أننا نعيش بدايتها ؟ هل لأننا شعوب تعشق أحزانها ؟ أم لأننا  من كثرة ما اعتدنا علي الخوف ، أصبحنا نخاف علي كل شئ ، ومن أي شئ ! حتي اوقات سعادتنا نخشي عليها من النهاية " .
سئلت يوما هل ندمت علي قرارات اتخذتها قبلا ، سأكون كاذبة لو قلت لم أندم ، لكنني اكتشفت أن لكل شئ جانب إيجابي حتي لو صعب علي رؤيته في ذلك الوقت ، كل خطأ ارتكبته كان يمثل درسا تعلمته ، و بعض الدروس أصعب من غيرها . كل علاقة خضت فيها كان لها تأثير في تشكيل شخصيتي وصقل كياني واثراء خبرتي بالحياة  . ربما كان الخوف يجنبنا بعض الأخطاء لكنه علي الجانب الآخر يحرمنا متعة الخوض في تجارب ومغامرات ربما كنا بحاجة إليها لننضج وتتقولب شخصياتنا.  
من المشجع وجود بعض الأشخاص الأكبر سنا مني ووقوفهم علي منصة الفائزين في ميدان الحياة . سمعتهم يتحدثون عن مخاوفهم عندما كانوا بمثل عمري ، وكيف أنهم تغلبوا عليها . اتفق معظمهم إن لكل مرحلة عمرية تحدياتها ومخاوفها ،لكن ليس الحل أبدا في اعتزال المعركة ، فالهروب دائما هو الحل الأسهل ، لكن الفوز في معركة الحياة للشجعان ، الذين قرروا ليس وضع مخاوفهم جانبا ، لكن اقتحامها . الذين عزموا أن يثبتوا لأنفسهم وللآخرين أنهم أكبر مما يخيفهم . أنهم يقبلون التحدي والتقدم نحو المجهول بقلوب تسلحت بالإيمان بالله واستمدت القوة منه . قلوب توكلت علي الله بثقة أن الذي أوصلهم لهذه النقطة من الطريق سيكمله معهم . 
عزيزي ، لنشجع بعضنا بعضا ، ولنعطي دفعة لمن تملك منهم الخوف و حبسهم في غرف ضيقة ، فالحياة علي اتساعها بانتظارهم لاستكشافها والخوض في معاركها .
من يعرف ، ربما وقفت أنا أيضا علي منصة الفائزين يوما ما آخذ بيد من  اعتراهم الخوف وأبث فيهم أملا في الغد الأفضل بإذن الله .
سأظل أحارب عدوي مادام في العمر بقية ، فمثلي لا ترضي بنصف حياة ، من أجمل ما قال جبران خليل جبران بهذا الصدد : 
" لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل .... النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة ". 

No comments:

Post a Comment

صرخة سقوط

  إلهي ..  اليوم أشعر بمرارة ثمرة السقوط في حلقي  بعد أن جعلتها الحية شهية للنظر أمامي  الهي  أشعر ببعد شديد عنك و بانفصال  أشعر بذنب ثقيل  ...