أتذكرها جيدا ، فقد تأثرت بكلامها كما لم أتأثر
من قبل ، كانت بمثل سني تقريبا . كنا نجلس في دائرة للمشاركة هدفها خلق مجتمع صغير من الأمان والراحة يتيح الفرصة لنا لنشارك بعضنا البعض بآلامنا المختلفة . وقد كان ألمها حقا مختلفا ، بل وكبير بالنسبة لفتاة بمثل عمرها لم تتجاوز حتي الثالثة والعشرين . كانت قد فقدت كلا والديها في ظروف لم أعلمها ولم يكن لي أن اسألها . كان الصمت والاستماع الجيد هو ما نستطيع أن نقدمه في المجموعة . لم يرض اي من أقاربها أن يضمها لمنزله ، وكان الحل الوحيد هو أن يأتوا براهبة مكرسة لتعيش معها هي وأختها في منزلهم . حكت عن بشاعة سنين مراهقتها في رعاية هذه المرأة . كانت متسلطة متزمتة تغرقها بالقوانين والقواعد الصارمة وقائمة طويلة من الممنوعات ، كانت تتعامل معها بجفاء . لم تشعرها يوما واحدا بالراحة والاحتواء والأمان والحنان الذي تحتاجه في مثل هذه السن الحرجة والظروف القاسية لفقدان والديها .حكت عن لياليها التي قضتها تبكي . تبكي ألمها وعجزها وقلة حيلتها في ظروف لم تخترها . لقد أعثرتها المرأة في الله وفيمن يدعون مكرسين له ! . فهذه التي كرست حياتها لله لم تستطع أن تعلن عن حب الله في حياتها . واضافت لها تساؤلا آخر فوق تساؤلها الذي لم يفارقها (لماذا حرمني الله من كلا والدي ؟ لم أكن أتخيل أبدا أن الله قاس إلي هذه الدرجة )..
توجع قلبي لها كثيرا . لو كنت مكانها لانهرت بكاء ونحيبا وأنا أشارك بمثل هذه المعاناة ، لكنها لم تفعل ! . فقط اذرفت بضع دمعات وتهدج صوتها قليلا . تعجبت من قوة شخصيتها . حقا يعطي الله قوة للمتألمين تمكنهم من الصراع والاستمرار . حقا يسمح بالألم بمقدار تحمل الشخص .
كانت في الخارج تتعامل بوجه بشوش وإن كانت أعينها تظهر لمحة من الحزن . كانت تمزح وتضحك ملء فاها في الصور لكنها كانت مكسورة القلب . لقد أعطتني مثالا حيا للصلابة والمواجهة .
أعلم أن الله قادر أن يشفي منكسري القلب ، مهما كانت بشاعة ما واجهوه ومروا به . مهما كانت مشاعرهم تجاهه وتجاه الألم الذي لاموه عليه . لم أخبرها يوما بهذا وبكم إعجابي بها وبقوتها ! . لكنها علمتني درسا دون أن توجه لي كلاما مباشرا . لقد فتحت عيني علي آلام للآخرين في مثل سني . علمت عن يقين أنه لا يوجد من له حياة مثالية . في وقت حزني ، كنت أظن أنني الوحيدة التي تعاني وكل من حولي أنظرهم سعداء وأتخيل أن حياتهم سعيدة . في المجموعة ، تلامست مع آلام الآخرين ، علمت أن الكل يئن . خجلت من نفسي لوجود آلام أكثر قسوة من ألمي ، وأصحابها يظهرون أكثر صلابة مني . لكنه الألم ، باختلاف قسوته وأسبابه ، فهو عند الكل . لا توجد حياة خالية منه .
ليعطنا الله نعمة لمواجهة آلامنا حتي لا نكون أيضا سببا للألم في حياة الآخرين . ليعطنا الله أن نكون درسا صامتا في مواجهة الألم و مثالا حيا للنصرة لمن يتألم ..
No comments:
Post a Comment