Tuesday, 4 December 2018

هوس المثالية




نشأت علي عشق المثالية ، حيث السبعة والتسعون  بالمائة تعتبر فشلا ، شجعوني علي التسعة والتسعين بالمائة فاعتبرت ما دونها- أيا كان -فهو فشل.
 أردت كل شئ مثاليا ، خط منمق ، كراسات مسطرة بهندسية وفن ، لا كلمات مشطوبة ، ولا أريد أن تكون لي علاقة أبدا بمصحح الكلمات  ، فإذا أخطأت في أحد الكلمات ، فلتذهب الورقة إلي سلة  المهملات، وسأعيد كتاباتها من البداية  ، فقد حافظت علي دفتري ولن ألطخ صفحاته بهذا الطلاء الأبيض السخيف،  أو بالشكل الردئ الذي تبدو عليه الكلمات بعد شطبها .

حتي في اللعب ، لقد كنت أعيد بدء الدور في الألعاب الإلكترونية مرات ومرات إذا كنت علي .وشك الخسارة ، أردت الفوز الكاسح فحسب 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد للأسف ، كبرت وكبر المرض معي  ، أردت كل شئ أن يكون مثاليا ، كل شئ حرفيا ، أردت أن يبدو شعري مثاليا ، أن تكون ملابسي مثالية منمقة ومختارة بعناية ،  أن تكون بشرتي خالية من العيوب ،أن يبدو جسمي متناسقا ، أن أبدو في حالة مثالية في الاحتفالات ؛ لذا فلنضع قائمة طويلة بما يجب علي تجهيزه وشراءه حتي أكمل صورتي علي قدر كاف من المثالية ! .
علي صعيد العمل ، أردت كل شئ مثاليا أيضا .  وأردت أن تتم الأمور كما خططت لها تماما ، فإذا حدث وخرجت الأمور عن المسار الذي حددته لها ، أصبت بالغضب والإحباط وأحيانا الاستسلام !

انتظرت أصدقاء مثاليين ، علاقات مثالية ، وحياة تسير بالورقة والقلم .
مضت سنين ، واكتشفت مرضي ، لقد كنت مريضة بهوس الكمال والمثالية .
لا أدري ما مصدر المرض بالتحديد ، لدي بعض النظريات ، ربما كانت الجينات تلعب دورا في هذا الأمر ، لكني أعلم أن المجتمع له دور كبير في هذا الهوس ، تشجيع الوالدين علي المثالية في كل شئ تقريبا ، تشجيع المعلمين ومن هم في موضع السلطة في الصغر علي المثالية  ، كل هذا كان له تأثير ، لم يكن هذا خطأ في حد ذاته ، كونهم يشجعون الشخص علي بذل مزيد من الجهد ليكون في أفضل مستوى ممكن هو أمر جيد ، لكن الخطأ كان في انتهار النتائج الجيدة التي لم تبلغ الكمال ، فعلي سبيل المثال ، سبعة وتسعون  بالمائة ليست فشلا ، إنها نجاح يتطلب مدحا وتشجيعا علي نتائج أفضل في المرة القادمة .

لقد واجهت إحباطات كثيرة حتي أدركت أن ما من شئ يدعي مثاليا ، كان علي أن أعمل علي محو هذه الكلمة من قاموس حياتي إذا أردت أن أكمل العيش بحرية بعيدا عن قيود المثالية التي تطاردني . كان علي أن أدرك أنه لا بأس أن أخطئ ، الخطأ دليل علي  المحاولة الجادة ، و لا نستطيع أن نقول أننا تعلمنا فعلا إذا لم نخطئ . فمحاولاتي لملئ صفحات بلا خطأ واحد هي حيلة دفاعية  طفولية لا تصلح للحياة الواقعية . اكتشفت أن أكثر ايام حياتي التي أحدثت فرقا هي تلك الأيام التي أخطأت فيها . وأكثر الأشخاص تأثيرا هم أولئك الذين امتلأت صفحات حياتهم بأخطاء ، صنعوا منها سلالم للارتقاء لمستو أفضل في حياتهم .

وجدت دواء ساحرا في كلمة واحدة.... (لا بأس ) ، لا بأس إذا لم يكن شعري بأحسن حال ، لا بأس إذا اوجعوا رأسي بتعليقات عن شكلي أو ما ارتدي أو عن جسمي ، فأنا عازمة أن أحب نفسي كما أنا وإذا كان هناك ما لا أرضي عنه فسأبذل جهدي لتغييره فقط لأجلي ، لا لإرضاء أحد ما ولا لإسكات الألسنة . لا لشئ سوي نفسي فقط .
لا بأس إذا لم تسر الأمور كما خططت لها في العمل ، ها انا أتعلم المرونة في الحياة واستقبال مفاجأتها بقلب واسع وروح خفيفة و عازمة أن أبذل قصارى جهدي كي لا تثقل روحي بأحداثها المتغيرة ومفاجأتها الغير سارة 
. سأتعامل مع المواقف بما لدي من إمكانات ،  وسأطلب المساعدة إذا تطلب الأمر ، فما من سبيل الآن لإعادة بدء دور جديد في اللعبة ، الحياة أصبحت أكثر بكثير من مجرد لعبة طفولية .
لا بأس إذا كان الأشخاص غير مثاليين ، لا أحد منا مثالي ،   "عند التوقف عن توقع أن يكون الناس  مثاليون، يمكنك ان تحبهم "
لا بأس إذا لم تسر الحياة بالورقة والقلم ، إذا تخبطت فيها و لم أدري أية وجهة أقصدها ، فيقيني أن الله يرينا الطريق التي نسير فيها إذا طلبناه بصدق وانتظرناه .
لا بأس طالما نفعل ما كل ما بوسعنا حيال أي شئ .
لا بأس ، فبينما أنا أتذمر من بعض الأشياء الغير مثالية ، هناك أشياء أخري تستحق الشكر ،   “عندما يصبح الشخص ممتَنّاً، لن يكون في حاجة إلى أي حدث آخر لكي يكون سعيداً، فهي أشياء بسيطة يمكن أن تؤثر فينا كلنا” .

No comments:

Post a Comment

صرخة سقوط

  إلهي ..  اليوم أشعر بمرارة ثمرة السقوط في حلقي  بعد أن جعلتها الحية شهية للنظر أمامي  الهي  أشعر ببعد شديد عنك و بانفصال  أشعر بذنب ثقيل  ...