Thursday, 30 July 2020

ذكري منعطف خاطئ




 شاردة كانت ،هكذا رأيتها لأول مرة في حياتي 
 بدت كطفلة كبيرة ، لكن علي عينينها مسحة من الحزن الغريب. 

تلاقينا ، بطريقة لم أستطع حتي هذه اللحظة أن أسبر أغوارها ، وكأنه تآلف الأرواح ، ارتياح الطفل الداخلي لكل منا للآخر ، وكأنه التوافق الموسيقي بين آلات تعزف في تناغم لحنا عذبا ، أضفي إلي الأجواء طربا ما كان لأي منهما أن يضفيه وحيدا ... 
كان كلا منا يحتاج الآخر ، وفي احتياجنا هذا كان سر انجذابنا ، لقد شعرنا كأننا قطعتين خلقنا لإكمال أحدنا الآخر ، كقطع المكعبات التي لا تكتمل إلا باندماجها معا .. 
نسينا في نشوة الحب ، أننا جزء صغير من صورة كبيرة وعالم أكبر ...

تلاقينا ، بطريقة لم أفهمها ، و لكنني أحببتها 
أحببت اللحن الذي عزفناه سويا . أحببت معيتنا .أحببت صمتنا وحديثنا . سيرنا و سكوننا . توافقنا وحتي اختلافاتنا . أحببت مجادلاتنا التي كنا نعود بعدها أكثر قربا وتفهما ، أحببت وجودها . أحببت الحياة بعدها . وكأن العمر انقسم إلي الحياة ما قبل وجودها و ما بعده .
أحببت أن أكون رجلا يعيش من أجل قضية ، وكانت هي قضيتي . هدف حياتي الذي عشت من أجله ! ..

وربما كانت هذه هي مشكلتي الكبري .
لم يكن الحب هو المشكلة . كان الحب عذبا و جميلا . جعلني سعيدا بشكل لا أستطيع وصفه . لكن كانت المشكلة في جعلها هي الهدف . جعلت حياتي تدور حول هدف زائل ، ضاع الهدف ، وضعت معه ... 

ضللت الطريق. وغدت الحياة جحيما بعد أن كانت جنة غناء . أصبح كل شئ مظلما وبلا طعم . فقدت قضيتي و فقدت أي أمل في ربحها ... 

قصتي تشبه مئات القصص ، باختلاف أسباب فقدان القضية . قصتي قصة كثيرين ، بإسم الحب تعذبوا وعذابهم الحقيقي كان هدفا خاطئا.  كان ضبط اتجاه حياتهم ببوصلة خربة  .. 

أكتب الآن ، وأنا أتذكرها . أتذكر أياما لم أذق فيها نوما . أتذكر  غرقي في حزن عميق ويأس قاتم . أتذكر شعوري بتوقف الزمن والحياة . عجيبة مشاعرنا . قوة جبارة هي . يوما تجعلنا نسير أميالا من أجل المحبوب و بعدها بشهور لا نستطيع حتي مغادرة الفراش من أجل فراق هذا المحبوب ! 


أتذكر هذا ، ولكني الآن حر ..
حر من قيد هذا الحزن . حر لأنني أعدت ضبط اتجاهي . أعدت توجيه حياتي لأعيش لقضية وهدف وتعلمت درسي . ربما كان درسا صعبا و مؤلما ، لكنه 
أنضجني...
منعطف خاطئ أخذته لكن حمدا لله أننا لا نضل تماما عند كل خطأ. 
أصبحت أرحب بالحب ،في طريقي وليس هدفا في حد ذاته .  

عزيزتي المحاربة




عزيزتي  
.تحياتي لروحك الشجاعة المحاربة ..
أدرك جيدا أنك تحاربين الخوف في معركة شبه دائمة .
 
تخافين الغوص بداخلك . 
 كرهتي أحيانا طريق الوعي و البحث عن الحقائق،  لدفعه الدائم لك للغوص أعمق . تحبين العمق لكنك تخشين مما ستكتشفينه

 تخشين الحياة التي تغدو أصعب بعد رؤية الكثير من الأمور علي حقيقتها . لطالما رأيت الوعي كنظارة دقيقة للغاية تجعلك ترين الأمور كما هي ، بلا ضبابية ، وعلي قدر ما كان هذا جميلا ،إلا أنه كان مخيفا ومؤلما في أحيان كثيرة .

تخافين أن تفقدي نفسك ، كخوفك حين تستحوذ علي اهتمامك رواية أو كتاب جيد ،  إلي الحد الذي تفقدين معه الإحساس بالوقت . خوف يدفعك إلي النظر إلي الساعة من آن لآخر . جزء منك اعتمادي،  يهوي السيطرة ولا يرضخ أبدا .جزء يؤرقك ويسلبك متعة الحياة في أوقات كثيرة .

تخافين أن تفقدي نفسك في الكتابة .تحسبينها  بوح أكثر من اللازم في بعض الأحيان  . ترينها  كشف لأجزاء منك للآخرين ولكنها في الحقيقة كشف لنفسك أمام نفسك ! 


تخافين التعلق ، بالناس وبالأماكن ، من جرحه التعلق مرة يظل  يخافه ولكن عليه أن يحذر من أن يتحول خوفه هذا إلي قيد يعوقه عن القرب من آخرين ..  

تخافين التكرار ، الروتين الذي بعد فترة يصبح عمرا يمضي . تخافين أن تمضي السنوات بك و تنظرين إلي الوراء بعين غير راضية عن الطريق الذي سلكته و الأميال التي قطعتيها. تخافين الهدر للأيام والسنين في طرق لا تفضي إلي ثمار ترضيكي و تستحق السير....

تخافين الطريق نفسه ، خوف المجهول ، خوف عدم الاستعداد الكافي .. لكنها الحياة وقانونها الساري علي الكل عزيزتي ، نسير نحو مجهول و لا نستطيع الجزم أبدا أننا مستعدون بطريقة مثالية  لأي شئ قد نقابله ..

تخافين الوحدة ، سواء كنت بمفردك أو بصحبة آخرين . تخشين أن تفقدي الطريق أو شغف المواصلة بدون أن تجدي معية تؤازرك و تتواجد مع ما تشعرين به .

عزيزتي ،
تقبلي خوفك ، ولا تخافيه ! 
"أزعج خوف هو الخوف من الشعور " 
علينا أن نقبل بقناعة راسخة أن المشاعر واقع بشري . مخاوفنا لا تجعل منا أشخاص صالحين  أو غير صالحين. ما يقرر حقا من هو الشخص هو كيف يستجيب لهذه المشاعر ويديرها . يديرها ولا يجعلها هي تديره وتتسلط عليه وتسلبه الحياة  والحرية فيها

إن ثمن اكتمال الإنسان باهظ جدا ، وقليلون من" يتوفر  لهم الوعي والشجاعة ليدفعوا هذا الثمن .. علي الإنسان أن يوقف البحث عن الضمانات لنفسه ، ويروح يغرف من الحياة بملء كفيه ، يعانق الوجود كما الحبيب حبيبه ، ويتقبل الألم كشرط من شروط الحياة . عليه أن يساكن الشك والظلمة . إنها ثمن المعرفة . وهو بحاجة إلي إرادة عنيدة في الصراع ، وعلي استعداد دوما لتقبل النتيجة ، أحياة كانت أم 
موتا " ...

عزيزتي ..
عهدتك محاربة 
ولا تدع الخوف يحتجزها 
حاربي .. 
لأجلك 
******************************
"من وحي  كتاب "لماذا أخشي أن أقول لك من أنا 

Friday, 24 July 2020

رسائل لم ترسل أبدا 4



عزيزتي الغائبة 

غائبة عن بصري لكن حاضرة دائما في عالمي الداخلي 
أؤمن أننا نختذل في داخلنا كل من أثروا فينا  
وكم كان تأثيرك شديدا علي 

،عزيزتي  
كالبئر العميق هكذا كنتي ، لا أبلغ لك نهاية
معين لا ينضب من الأفكار كانت تتفجر منك دوما 

تتكلمين بسرعة مذهلة عندما تتحمسين لأمر ما ، تتكلمين بكل ما فيك ليس فقط لسانك و فمك 
 لقد كنتي مذهلة.
 
وعلي الجانب الآخر كان حزنك أقرب للموت . كالبركة الراكدة لا حياة فيها ولا حركة.  هكذا كنتي في حزنك .كلما حاولت إحداث حياة في ركودك هذا ، كنت  كمن يرمي بقطعة حجر في بحيرة راكدة ، تتحدثين باقتضاب شديد ثم لا تلبثي أن تعودي لركودك وصمتك .لقد قدستي حرنك و لم تدعي أحدا يشاركك فيه.  صممت أن تكون لك أوقاتك الخاصة مع حزنك و اكتفيت بوجودي قريبا كملاذ آمن إذا قررت نفض غبار الحزن  قليلا عنك و قررت بعد الحاح شديد أن تفضي لي عما بك وما دفعك للدخول في تلك الحالة من الركود 


لقد عشقتك بكل تقلباتك .كعشقي للبحر و هو هائج و عشقي له وهو هادئ .من عشق البحر عشقه بكل حالاته وقبل أمواجه وهدوءه . عشقك لا يمكن مقارنته بأي شئ آخر. هي محاولات فقط لتقريب الفكرة لكني أجزم بأن تعبيراتي ما تزال قاصرة عن وصف عشقي لك .  فقط أشعر به ولكن تقف كلماتي عاجزة أمام وصفه كما عقلي  


عزيزتي ، 
أتساءل دوما ، تري في أي طور أنت الآن ؟
أتساءل دوما هل هي حزينة أم فرحة مملوءة بالحماس والنشاط ؟
هل تفكر بي مثلما أفكر أنا بها ؟
هل تنظر إلي البحر وتتذكرني مثلما أفعل ؟ 

يذكرني البحر بك و أنا أحبه .سيكون البحر ملجأي و عذابي الأبدي .آتي هنا كلما ضاقت بي الدنيا و لكني أهرب من كل شئ عداك. و تكونين أنت صحبتي في هذا الملجأ .صحبة غير مرئية ولكني أقبلها علي كل حال 

عزيزتي 
أبعث بسلامي مع الموج المتقلب 
وكما تعود المياه في حركة المد والجزر 
عندي أمل أن نعود
يوما ما .. 
*****************************************
من وحي الخيال 
رسائل لم ترسل أبدا هي محاولة للتعبير عن مشاعر من عاشوا قصص لم تكتمل .... فربما قرأها أحدهم و شعر بها تعبر عما لم يستطع التعبير عنه . وربما شعر بألفة و بأنه ليس وحده فيما مر ، ويمر 

Thursday, 9 July 2020

الليل ‏



هذا الليل طويل
وملئ بالتساؤلات التي ترهق نفسي و تئن بها روحي
لو تلاشت فواصل الزمن .. و كان باستطاعة البشر أن يتقابلوا وجدانيا  

فربما سأكون رفيقة يوسف الصديق في ظلام سجنه . يضج رأسه بالأسئلة وربما يصارع أفكار وشكايات أنك نسيته يا الله أو ربما لا تبالي بوحشته و طول مدة سجنه

أو سأكون رفيقة موسي
ينام مستلقيا ، بعد تعب النهار الطويل في رعي الغنم ، لا يدري أيهما مؤلم أكثر ، أهو جسمه الذي أضناه الحر والتعب ؟ أم عقله الذي أرهقه التفكير الطويل ، والملل ..أربعون عاما مضت يفعل الشئ نفسه .

أو سأكون رفيقة إبراهيم 
رافعا رأسه ليلا ليري النجوم ، شاهدة دائما علي وعد أخذه منذ زمان طويل ، طويل جدا ، وعد صدقه وإلي الآن لم يره واقعا ..
كم من ليال مضت وهو يذكر نفسه بهذا الوعد ؟
فكأن لمعان النجوم يبث فيه رجاء ولكن لا يلبث ظلام الليل والواقع الذي لم يتغير منه شيئا أن يشيعا فيه تساؤلات كثيرة ، صراعا ربما ...

أو سأكون رفيقة داود 
أكتب علي أوراقي وهو ينشد علي قيثارته .يبث شكواه وأنين قلبه .
ملك هارب كالمجرمين في مغاير وجبال ! 
ملك ظل تحت تهديد القتل لوقت طويل جدا .
لم يقترف ذنبا ..
ولم يفعل سوي الخير 

أو سأكون رفيقة يعقوب 
سنون طويلة مضت ،وهو يفعل الشئ نفسه ، ولا ينال ما يحلم به في نهاية المطاف ، بسبب خداع وظلم .
حتي تأتي ليلة ، يصارع فيها حتي الفجر ، وعندها فقط يعرف أنه كان يطلب باطلا ! 

يا الله 
يا من سمعت تأوه جميع هؤلاء وغيرهم الكثير ..
يا من رأيت صراعهم من أجل التسليم ..
شكايتهم بين وعد يصدقونه وواقع يحيونه 
بين ظلام سائد ورجاء بالنور 

أشعر بكل هذا الثقل ، والتخبط ، والقيود
سجن ، صحراء ، ليل ، مغاير وشقوق 
كلها أماكن قاتمة وموحشة ، مؤلمة 
لكن ليس بمقدار هذا الألم من الداخل
السجن والظلام الحقيقي هو من الداخل !

أعطني قوة لأنتظر وأصبر 
دعني أتشدد لأري يوما أهتف فيه "..أما الله  فقصد به خيراً" 
"أرني مجدك "
هبني  إيمانا كما "آمن إبراهيم بالله فحسب له برا " 

"ارحمني يا الله لأن الٱنسان يتهممني واليوم كله محاربا يضايقني " 
في صراع ذهني .. أناجي 
"لا أطلقك إن لم تباركني " 

صرخة سقوط

  إلهي ..  اليوم أشعر بمرارة ثمرة السقوط في حلقي  بعد أن جعلتها الحية شهية للنظر أمامي  الهي  أشعر ببعد شديد عنك و بانفصال  أشعر بذنب ثقيل  ...